مرجع: سید محمد سعید حکیم
موضوع: واجبات الإحرام

واجبات الإحرام

الإحرام أمر اعتباري، وهو الدخول في حرمة العمرة أو الحج. ويترتب عليه حرمة الأمور الآتية من دون أن يتوقف على قصد تركها، بل يمكن قصده ويصح مع قصد فعلها لعذر أو بدونه. هذا ويتوقف الإحرام على أُمور ..


الأول: النية

1427


الثاني: لبس الثياب حال الإحرام على الأحوط وجوباً

1428


الثالث: التلبية في غير إحرام حج القران

1429


الأول: النية

على ما تقدم عند الكلام في أقسام الحج. ولابد فيها من أمرين ..

أولهما: تعيين الإحرام المنوي من إحرام عمرة أو إحرام حج بأقسامهما وإذا كان منذوراً فلابد من قصد الوفاء بالنذر. ويكفي في ذلك كله القصد الاجمالي الارتكازي، مثل أن يحرم بما قصده مرشد القافلة

ثانيهما: قصد التقرب به لله تعالى، ولازم ذلك عدم وقوعه بوجه محرم على النحو المذكور في سائر العبادات. ولا يجب التعرض للوجوب والندب ولا الاصالة

والنيابة فلو علم أنه مكلف بالحج عن نفسه أو عن غيره جاز له قصد ما وجب عليه من دون تعيين لكونه عن نفسه أو غيره.

نعم، لو توقف التعيين على قصد أحد الأمرين وجب، كما إذا قصد الحج المستحب وأمكن وقوعه عن نفسه وعن غيره.

(مسألة 112): يكفي في النية القصد في النفس بلا حاجة إلى التلفظ كما في سائر العبادات، لكن يفترق الحج والعمرة عن غيرهما من العبادات بمشروعية التلفظ بالنية. بل قيل باستحبابه، وإن لم يخل عن إشكال.

(مسألة 113): الصبي والمغمى عليه يحرم بهما بأن يُنوى عنهما ويُلبى عنهما ويصح منهما الإحرام والعمرة والحج.

نعم، الأحوط وجوباً في المغمى عليه أن يكون قد جاء إلى الحج باختياره بحيث تحقق منه القصد للحج عند سفره، بخلاف الصبي فإنه لا يشترط فيه ذلك.

(مسألة 114): الذي يتولى النية عن الصبي هو وليه الشرعي، اما المغمى عليه فالذي يتولى عنه النية هو وليه العرفي وهو من يتولى أمره في حال مرضه.


الثاني: لبس الثياب حال الإحرام

لبس الثياب حال الإحرام على الأحوط وجوباً، فلا يصح الإحرام عارياً من دون فرق بين الرجل والمرأة. نعم، لا يجب استدامة لبسها، بل يجوز نزعها- للتنظيف أو التبديل أو نحوها- مع الامن من الناظر.

(مسألة 115): الأحوط وجوباً للرجل الإحرام في ثوبين رداء وإزار. لكن لا يتوقف صحة الإحرام عليهما فلو أحرم في غيرهما صح إحرامه مع الجهل والنسيان، بل مطلقاً على الأظهر، وإن كان الأحوط استحباباً مع العمد تجديد الإحرام بعد لبس الثوبين .

 (مسألة 116): يكفي في الازار والرداء الصدق العرفي، والأفضل في الازار أن يغطي السرة والركبة وما بينهما، بل هو الأحوط استحباباً.

(مسألة 117): الأحوط وجوباً في الازار والرداء أن يكونا ساترين لما تحتهما، ولا يكونا رقيقين حاكيين لما تحتهما من البشرة.

(مسألة 118): الأحوط وجوباً أن يكونا منسوجين من سنخ الثياب، دون مثل الجلد والنايلون الكثيف غير المنسوج.

(مسألة 119): تجوز الزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وفي أثنائه.

(مسألة 120): يجوز لبس السراويل لمن لم يكن له إزار، كما يجوز لمن لم يكن له رداء أن يضع شيئاً على عنقه كالقباء المقلوب من دون أن يدخل يديه في يدي القباء، وكذلك القميص و (الغترة) والعمامة المحلولة ونحوها. ولا يجب عليه استعارة الازار أو الرداء أو استيهابهما.

نعم، لو استعارهما للإحرام فالأحوط وجوباً لبسهما، وكذا إذا كان واجداً لثمنهما فإن الأحوط وجوباً له شراؤهما مع تيسره.

(مسألة 121): لا يجوز عقد الازار في العنق، ولا بأس بعقده في المَحزم، والأحوط استحباباً عدم غرزه بابرة ونحوها .

(مسألة 122): الصبيان يُحَرم بهم من مسجد الشجرة مع مرورهم عليه إلَّا أنه لا يجب أن يُجردوا من ثيابهم التي لا تجوز للمحرم حتى يصلوا إلى (فخ)، فيُجردون منها حينئذٍ ويلبسون ثياب الإحرام.

(مسألة 123): يشترط في الثياب التي يلبسها المحرم أن تكون مما يصح له الصلاة فيها، فلا تكون نجسة نجاسة لا يعفى عنها في الصلاة ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا مذهَّبة ولا حريراً.

بل لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير المحض وإن جاز لها الصلاة فيه .

(مسألة 124): الأحوط وجوباً مبادرة المحرم إلى تطهير ثيابه أو تبديلها لو تنجست نجاسة لا يعفى عنها في الصلاة، ويكفي فيها المبادرة العرفية، فلا يضر التأخير لانشغاله بعمل أو لعدم وصوله لمنزله أو نحو ذلك .


الثالث: التلبية

التلبية في غير إحرام حج القران، وأما فيه فيتخير بينها وبين التقليد

والاشعار على ما تقدم عند الكلام في بيان أنواع الحج .

(مسألة 125): إذا لبس ثياب الإحرام ونوى الإحرام من دون التلبية- أو ما يقوم مقامها في حج القران- لم ينعقد إحرامه، فله الإتيان بمنافيات الإحرام ولا كفارة عليه.

(مسألة 126): صورة التلبية الواجبة والتي ينعقد بها الإحرام: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيْك».

والأحوط استحباباً أن يضيف إليه: «إِنَّ الْحَمْدَ وَ النِّعْمَةَ لَكَ وَ الْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ». وأحوط منه أن يضيف إليه «لَبَّيْكَ‏» فتكون التلبيات خمساً.

والأفضل أن يضيف إلى ذلك كله: «لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ دَاعِياً إِلَى دَارِ السَّلَامِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ‏ غَفَّارَ الذُّنُوبِ‏ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ أَهْلَ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ذَا الْجَلَالِ وَ الْإِكْرَامِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ تُبْدِئُ وَ الْمَعَادُ إِلَيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ تَسْتَغْنِي وَ يُفْتَقَرُ إِلَيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوباً وَ مَرْغُوباً إِلَيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ‏ ذَا النَّعْمَاءِ وَ الْفَضْلِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ كَشَّافَ الْكُرَبِ الْعِظَامِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ عَبْدُكَ وَ ابْنُ عَبْدَيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ يَا كَرِيمُ لَبَّيْك».

والأفضل أيضاً أن يكرر «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ» في صدر التلبيات الأربع، فيقول: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيْك ...».

والأولى أن يضيف إلى ذلك: «لَبَّيْكَ أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَ عُممْرَةٍ مَعاً لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ هَذِهِ مُتْعَةُ عُمْرَةٍ إِلَى الْحَجِّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ‏ تَمَامُهَا وَ بَلَاغُهَا عَلَيْكَ لَبَّيْك».

ويستحب الاكثار من: «لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ لَبَّيْكَ». ويستحب أيضاً أن يلبي بالتلبيات المذكورة بعد كل صلاة فريضة أو نافلة، وحين ينهض به بعيره أو سيارته، وحين يعلو أكمة أو يهبط وادياً وحين يلقى راكباً وحين يستيقظ من منامه، وبالاسحار، كما يستحب الاكثار منها.

وفي الحديث: «من لبى في إحرامه سبعين مرة إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق». ويستحب أيضاً للرجل الجهر بها. وليجتهد الملبي أن تكون تلبيته بحضور قلبه قاصداً بذلك إجابة دعوة الله تعالى.


بعض المسائل:

(مسألة 127): لا تؤدَّى وظيفة التلبية الواجبة والمستحبة إلَّا بالإتيان بها على الوجه العربي، ولا يجزي الملحون مع القدرة على الصحيح ولو بالتعلم.

(مسألة 128): الاخرس يجزيه عن التلبية أن يحرك لسانه ويشير باصبعه. وأما غيره ممن لا يحسن التلبية فالأحوط وجوباً له الجمع بين ذلك وبين الاستنابة. وأما من يحسن الملحون ولا يقدر على الصحيح فالظاهر اجتزاؤه بالملحون، وإن كان الأحوط استحباباً ضم الاستنابة إليه.

(مسألة 129): إذا شك بعد الفراغ من التلبية في الإتيان بها على الوجه الصحيح وعدمه بنى على الصحة.

(مسألة 130): تقدم أن الإحرام لا ينعقد إلَّا بالتلبية، كما تقدم أنه لا يجوز عبور الميقات لمن مر عليه إلَّا محرماً. إلَّا أنه يكفي في ذلك أن يلبس ثوبي الإحرام ويعقد نيته عند الميقات، ويجوز بل يستحب تأخير التلبية عن ذلك خصوصاً للراكب على تفصيل:

فمن أحرم للحج أو العمرة على طريق المدينة يستحب له أن يؤخر التلبية حتى ينتهي إلى البيداء حيث كانت قديماً.

ومن أحرم على طريق العراق يستحب له أن يؤخرها إلى أن يمشي قليلًا، أو إلى أن يستوي به بعيره أو يركب في سيارته ويستقرّ بها.

ومن أحرم بالحج من المسجد الحرام يستحب له أن يؤخرها إلى أن يأتي (الرقطاء) قبل أن يصير إلى (الأبطح)، فإذا انتهى إلى (الردم) وأشرف على (الأبطح) استحب له رفع الصوت بالتلبية.

وقيل: إن الردم مرتفع يحجز السيل عن البيت، مشرف على مقبرة مكة، والرقطاء قبله إلى جهة مكة، والأبطح بعده. وحيث لا طريق لتعيين ذلك يتعين‏ الاحتياط بتقديم التلبية.

(مسألة 131): إذا ترك التلبية حتى تجاوز موضعها من الميقات كان كمن ترك الإحرام الذي تقدم حكمه في المسألتين (108 و 109).

(مسألة 132): إذا شك في الإتيان بالتلبية فإن علم من نفسه أنه قصد إلى الإحرام التام وتحقق منه الفراغ عنه بنى على الإتيان بها وعلى تمامية إحرامه.

وإن لم يعلم ذلك وإنما علم أنه نوى ولبس ثوبي الإحرام عازماً على تأخير التلبية إلى المواضع المتقدمة، فإن لم يتجاوز تلك المواضع بنى على عدمها فيجب عليه الإتيان بها، وإن كان فعل بعض محرمات الإحرام بنى على عدم وجوب الكفارة.

وإن تجاوز المواضع المتقدمة بنى على الإتيان بها، وإن فعل بعض محرمات الإحرام التي عليها كفارة وجبت عليه تلك الكفارة. وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بالتلبية هنا وفي الفرض الأول.

(مسألة 133): المعتمر عمرة التمتع لا تشرع له التلبية إذا وصل إلى مكان يشاهد فيه موضع بيوت مكة القديمة.

(مسألة 134): المعتمر عمرة مفردة إن اعتمر من خارج الحرم- من الميقات أو من دويرة أهله- يقطع التلبية إذا دخل الحرم. وإن خرج من مكة إلى حدود الحرم تشرع له التلبية حتى ينظر إلى الكعبة، ولا تشرع له بعد ذلك. وإن اعتمر من أدنى الحل من دون أن يخرج من مكة فالأحوط وجوباً له أن لا يلبي حين رؤية بيوت مكة إلَّا برجاء المطلوبية فإذا نظر إلى الكعبة لم تشرع له التلبية.

(مسألة 135): من أحرم بالحج بجميع أقسامه لم تشرع له التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة، واستحب له الانشغال بالتهليل، والتحميد، والتمجيد، والثناء على الله عزوجل، وبقية أعمال عرفة.